مُدَونَة د. حُسَام عَقْل

19‏/08‏/2017

هذيان الباجي السبسي.. وانتهازية الإلحاد المصري !

هكذا قالها الرئيس التونسي " الباجي السبسي "  _ قبل أيام _  في ملأ من الصحافة و الإعلام و أضواء الميديا الكثيفة : " .. الإرث هو من أمور البشر التي تركها الله و رسوله لاجتهاد العباد .. و إحنا اجتهدنا ! ! .." قالها السبسي بغطرسة استفزازية ،  و تعميم شديد الرعونة  إلى درجة العمى ،  و اقتحام لمساحة لا يجيدها بالتأكيد ، و ركب موجة استباحة الفكرة الإسلامية _ في قرصها الصلب ، أعني التشريع الإسلامي في باب الميراث  بنصوصه قطعية الثبوت ، التي  لا تحتمل بطبيعتها اجتهادا ً ! _  و قالها تحديدا ً بهذا الاستفزاز المتعمد لتكون قنبلة صوت ضخمة تصيب الآذان بالصمم عن أصوات أخرى ، و فقاعة هوائية  كبيرة معبأة بالدخان للتشويش على كوارث الاقتصاد التونسي النازف _ برغم المكتسبات الديمقراطية التي لا شك في وجودها و ترسخها _  و لم تكن عبارته المتسترة خلف قناع الاستنارة  الوهمية  و التنوير الزائف ، مجانية أو بلا هدف بل كانت جزءا ً من التمهيد للعبة انتخابية داخلية ، حاول فيها من خلال طرح فكرة  : " مساواة المرأة بالرجل في الميراث " في تحد ٍ صريح لفكرة التشريع الإسلامي ذاتها من الجذور  ، أن يغازل تيارات في الداخل التونسي ،  و جيوبا ً فاعلة في المنطقة العربية ، و تيارات عريضة في الخارج " الأمريكي و الأوروبي " ليضمن " العجوز الداهية " مزيدا ً من فرص البقاء فوق كرسي الرئاسة  التونسية ، الذي انتزعه اانتزاعا ً _ بخلع الأضراس _ من " المنصف المرزوقي "  و لو على حساب أية ثوابت قرآنية أو إسلامية  ، أو أغلبية صارت بالسياسات الديكتاتورية  القائمة على الإقصاء ( الناعم في تونس و الخشن في مصر ! )  مجرد أقلية لا يحترم الحكام الشموليون لها دينا ً و لا يقيمون لميراثها الحضاري وزنا ً !


 يدرك " الباجي السبسي " (  1926 _ ..)  أن الإسلام الآن هو " الحائط الواطيء " الذي يمتطيه الجميع و يستبيحونه بلا حساب ، و يدرك أكثر من أي وقت مضى أن التيارات الإسلامية في المنطقة العربية ، هي الجواد الخاسر ، برغم براعة " الغنوشي " في احتواء الأزمات السياسية العاصفة ، و يدرك حد اليقين أن المسلمين أنفسهم بلا دية تقريبا ً بدليل مطحنة " بورما " العلنية المخجلة  المحاصرة بسكوت الضباع و خستهم ، المطحنة  التي لم تحدث في العالم منذ مقتلة  " قابيل " ، حيث صار المسلمون عصيرا ً مسحوقا ً تدوسه الأحذية ! و يدرك الباجي السبسي ، أن التيارات الإلحادية في مصر و المنطقة العربية ، ستخرج من الشقوق دفعة واحدة لتسانده بعمى إيديولوجي لا يسائل و لا يفكر أو يتأمل  ، و لا يتقصى معلومة واحدة بتأن ٍ و هدوء  ، بل ستنصب كرنفالات و  زفات و مواكب صاخبة ، تغني لنشيد المرأة المحررة على يد الفارس الجديد : " الباجي السبسي " نصير الليبرالية و الحريات ، و هو هدير غوغائي ، يمكن أن يستثمره و يستفيد منه ضد خصومه السياسيين ! و يمكن كذلك أن يستفيد من هذا الهدير الغوغائي ( المحرك بآلة التحريض و الإقصاء الفاشي ) للتغطية على مصائبه السياسية ، و فشله الاقتصادي المدوي  و رصيد فساده الشخصي / المالي الذي يسبب له حرجا ً بالغا ً ، برغم محاولات التستر المستمرة منذ وصل إلى الرئاسة !

 و لم يخبرنا داعية تونس الجديد ،  و محرر المرأة فيها من قيود الميراث القرآني الظلامي ، " الباجي السبسي " ، ما آخر الأخبار بشأن ديونه للبنوك التونسية ، الديون التي تراكمت مليارات مستحقة لم يدفع منها حتى الآن للخزينة التونسية درهما ً و لا دينارا ً واحدا ً ؟ و لم يخبرنا عن آخر أخبار أملاكه الهائلة بالداخل و الخارج ، المسجلة بأسماء زوجته و أولاده بدهاء و ( حرفنة ) للإفلات من أية مساءلات ! و لم يخبرنا _ أو يخبر العالم الحر ! _ عن بيته ( الأسطوري ) المصمم بضاحية " سكرة " ، و لا عن ضيعته و مزارعه الضخمة في " مرناق " ، و هي الضياع و المزارع التي تمتد فوق عشرين هكتارا ً من الأرض ، اغتصبها بالنصب و الاحتيال من ألوف الفقراء و المحتاجين في تونس ! و لم يخبرنا نصير المرأة ضد قهر القرآن لها و لحقوقها المالية ، و لم يخبر العالم الحر كذلك ، أنه سارع بكتابة  ملكية ضياعه و مزارعه على الأوراق  باسم : " رؤوف فرحات " شقيق زوجته ، تماما ً كما فعل رجالات مبارك بحرفنة و دهاء للإفلات بغنائمهم و أرباحهم الضخمة من أكباد المصريين ! و يدرك الباجي السبسي ، أن التصفيق المدوي ، الناجم عن لعبة الهرطقة اللادينية ، يمكن أن يحجب _ بقنابل الدخان _ ما يعرفه التونسيون جيدا ً عن الداعية الجديد من أنه سجل ضيعة " شواط " باسمي ولديه : " خليل " و " حافظ " ! ! و يدرك الباجي السبسي أن تصفيق المغيبين لهرطقته و هذيانه _ مقطوع الصلة بأية أسانيد أو فقه أو تنوير _ يمكن أن ينسي التونسيين و العرب ، أنه قد صدرت ضده أحكام من القضاء التونسي ببيع بعض ضياعه لاستخلاص ديونه البنكية و ردها لخزانة الدولة التونسية ، فسارع " التنويري الكبير " بالالتفاف حول الحكم القضائي ، و مضى _ كأي سارق ! _ يقوم بتقليع أشجار العنب ليلا ً لمحو الجرائم ، و دفنها تحت التراب !

 قبل أن تعيد للمرأة _ كما تزعم ! _ حقها في الميراث الذي اغتصبه القرآن الكريم عنوة لمصلحة الرجل في سورة " النساء " ، دون أن ندري بهذه الجريمة القرآنية النكراء ، منذ ألف و أربعمائة عام ، أعد للتونسيين حقوقهم المالية المغتصبة ، و أخبرهم عن مسكنك الأسطوري في 36 / شارع المغرب العربي / ضاحية " سكرة " ، أو عن مزارعك و ضياعك المسجلة بأسماء زوجتك وولديك و صهرك ؟! أليست هي الأخرى حقوقا ً مالية  مغتصبة من لقمة خبز المرأة التونسية  المظلومة المهيضة ؟!

 المهللون لخطاب الباجي السبسي ، الديماجوجي / التحريضي ، في مصر ، لم يخبرونا ، أو يخبروا الرأي العام ، أن داعية الحريات التنويري الكبير ، كان رئيسا ً لمجلس النواب التونسي عام 1991 ، حيث تكرس _ آنذاك _ المنعطف الديكتاتوري الفاشي ، و اغتيلت الحريات في كل بقعة تونسية بصمته و تآمره و رضائه الكامل ، و كأن في رؤوسنا ذاكرة سمك ، نسيت تارخ الرجل الوحشي ، أو تناست أنه كان _ يوما ً ما في أزمنة القمع التونسي البائدة _ مديرا ً للأمن الوطني و وزيرا ً للداخلية ، أصبح الآن فجأة تنويريا ً ، ينافس " محمد عبده " و " الأفغاني " و " الطاهر بن عاشور " و " عبد الحميد بن باديس " ! !

 لم أجد في خطاب الرجل الأحدث ، عبارة أكثر حماقة و استسهالا ً من قوله : " .. الإرث مسألة بشرية و حياة يومية ، .. الله و رسوله تركوها _ كذا ! _ للمواطنين و البشر ! .." ياللعبقرية الطافحة من عباراتك الساذجة المتلعثمة ! ففيم إذن كان تحديد الأنصبة الشرعية للميراث بدقة من المشرع الإسلامي ، خصوصا ً في سورة النساء ؟! و الاجتهاد البشري  ، المنفلت من أي ضابط نصي ، أعني الاجتهاد الذي تتحدث عنه  تحديدا ً في مسألة الميراث ، هو الذي حجب عن المرأة حقها الكامل في الميراث في كثير من القرى و الكفور و النجوع العربية ! فمن يعصم المرأة إلا أنصبة المشرع الإسلامي الحاسمة ؟!

 و النكتة الحقيقية أن يقال لنا ، إن دار الإفتاء التونسية ، أيدت الزعيم التنويري المفدى ، يقصدون دار الإفتاء التونسية ، التي تعاقب عليها منذ إنشائها ، ثمانية مشايخ ، لم يجرؤ أحدهم يوما ً ، أن يختلف مع مغامرات " بن علي " أو " بورقيبة " الإيديولوجية ، التي تحدت النصوص القرآنية القطعية مرارا ً ، لشرعنة علاقات العشق المحرم أحيانا ً أو للإفطار علنا ً أمام الشاشات في نهار رمضان  أحيانا ً  ! و خرج بيان دار الإفتاء التونسية قزما ً كدورها ، ضحلا ً مسطحا ً كطرحها التشريعي ، مكتفيا ً بالقول إن القرآن الكريم قد نص على المساواة المطلقة في قوله تعالى : " .. و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف .." ، و لم يكمل جهابذة البيان الآية حتى نهايتها : " .. و للرجال عليهن درجة .." ، و هي درجة " القوامة " التكليفية ، إذ يطالب الرجل بالإنفاق الكامل ، و لا تطالب المرأة بأي إنفاق ! فلماذا لا تتم حركات ( النسوية ) feminism   المتشكلة حول خطاب الباجي السبسي ، جميلها و تطالب الزوجة بالإنفاق الكامل حتى بعد الطلاق ، أسوة بالرجل ! أم أننا ساعة التكليف والمغرم _ لا المغنم و الحقوق  _  " نعمل من بنها " ! !

 بقيت نصيحة يسيرة ل " العجوز الداهية " الذي وصل بمنعطف الاقتصاد التونسي إلى الحضيض ، و أوشك في كثير من الأحيان أن يجهض مكتسباته الديمقراطية ، لولا يقظة الشعب التونسي ووعيه ،و أذكره بأن  قوله تعالى : " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " ( النساء / 11 ) ينطبق _ ميدانيا ً _ على أربع حالات تحديدا ً من حالات التوارث ، و هناك حالات توارث أخرى ترث فيها المرأة مثل الرجل ( في حالة وجود أخ و أخت لأم في إرثهما من أخيهما ، و لا يكون للمتوفى وارث من الذكور الأصول أو الفروع ) . و هنالك خمس حالات توارث ترث فيها المرأة أكثر من الرجل . و هنالك _ في الميراث الشرعي / الإسلامي نفسه _ خمس حالات توارث ترث فيها المرأة و لا يرث الرجل ! ( و التفصيل لمسائل الميراث المعنية يضيق به المقال بمساحته المحدودة ) .

 و الأدهى أن يخرج علينا ساذج متطاول من حركة " نداء تونس " من دراويش " الباجي السبسي " ، و هو " برهان بسيس " ، ليقول لنا : " إن نقاش الميراث شأن تونسي داخلي ، لا يخص المصريين .. فليصمتوا ! .." ، و أقول له : أليست دار إفتائكم التعسة / المسيسة ، هي التي وصفت الباجي السبسي ب " أستاذ التونسيين و ( غير التونسيين ) " ؟! فحق إذن ل " غير التونسيين " أن يردوا ! ثم إن الميراث الشرعي الذي عبث به _ و بأنصبته _ عجوزكم الداهية ، لا يخص معاليك وحدك و لا معاليه ، بل هو شأن إسلامي عام يمس نصا ً قرآنيا ً متواترا ً ، قطعي الدلالة ، لن نسمح بأن يتلاعب به صبية السياسة و لا شيوخها !


من جريدة (المصريون)
بتاريخ 18 أغسطس  2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق