مُدَونَة د. حُسَام عَقْل

01‏/05‏/2018





مقالى بجريدة المصريون بتاريخ 27 أبريل 2018 



منذ أكثر من أربع سنوات و نحن لا نضع الكيان الصهيوني المغتصب ، في أي سياق للإدانة _ و لو بشكل رمزي _  فهل يمكن أن ننسى ، و لو قسرا ً ، " دير ياسين " و " بحر البقر " و " صابرا و شاتيلا " و غيرها من مذابح الكيان ، الموشومة نقشا ً  في الذاكرة بخطوط من اللهب و الدم و المرارات التي لا يمكن محوها  ؟! هل ثمة محاولة لإهالة التراب على هذا الميراث الدامي ، باتجاه سلام موهوم ، كأوهام " أوسلو " و أخواتها ؟!  و لماذا لا نجد ماكينة الشيطنة و التشهير ، لا توجه تروسها الآن في مصر إلا نحو تيار أو فصيل بعينه ، ليس موجودا ً فعليا ً في المشهد برغم سيل المعارك المفتعلة ، في مقابل إثارة التعمية و الضباب الكثيف على ( العدو الحقيقي ) الذي لا نعرف لنا عدوا ً غيره ،  الكيان الاستيطاني المغتصب ، الذي استباح _ و لا يزال _  أرضنا و نفطنا و مؤسساتنا و إنساننا ! ( و هو الرقم الأساسي في كل معادلات الدس و المؤامرة  قديما ً و حديثا ً ) 
هل بات الرهان الآن مركزا ً على منح " الأمان " الكامل ل " تل أبيب " ، بوصفها عدوا ً تاريخيا ً ، أصبح بخلط الأوراق و إرباك الحسابات و اللعب الرديء في خانات الصداقة و العداء المتشكلة في الوجدان الوطني ، أقول أصبح " صديقا ً " أو " محايدا ً " في اللعبة ، و منذ متى كان هذا الحياد ( المفترض ) ؟! ما الذي تغير في هذا الكيان المسكون بشهوة الاستيطان و الدم و التصفيات الجسدية و الاستباحة ، حتى نزيحه عن خانة ( العداوة ) ؟! ما الذي قدمه لمصر أو فلسطين أو الاردن أو أي طرف عربي ؟! و هل تنازل عن عداوته الدامية ، و كرهه الأسود و نزوة ابتلاعه لأرضنا ، قطعة قطعة ؟! ما الذي تغير في هذا الكيان المغتصب ، لنغازله أو يغازلنا ؟! هل لدى صانع القرارات الاستراتيجية في مصر  ، أدنى شك في أن مؤامرة تعطيش مصر ، و التحكم في صنبور المياه عند المنابع للمرة الأولى في تاريخ مصر بغرض تركيعها للأبد   ، هو _ في النهاية _  مخطط متكامل محكم  ، يتابعه الرقيب في " الكنيست " ، خطوة خطوة ، و يتحسس الرقيب مسدسه للتدخل في أي وقت ، إذا ما جاوزت ردة الفعل المصرية ، ما يغاير " المفاوضات " أو " المكلمة ( عديمة الجدوى ) ؟!
 جاءت الرسالتان في توقيت متزامن ، لتذكرا القاهرة ، بخطوط المعادلة القديمة ، التي لم تتغير ، و ب " خسة " العدو التاريخي الحقيقي الأوحد ، الذي لم تخفت درجة عداوته قيد شعرة ؟! بعد فترة من صناعة وهم " عدو بديل " ، أو شيطنة ( الصديق ) ليصبح بفعل المسخ الإعلامي ( عدوا ً جديدا ً ) ، في مقابل تصدير صورة ديكورية " كيوت "  حالمة ل ( العدو الحقيقي ) الذي يكرهنا من الأعماق بكل خلية من خلاياه ، و يتلو طقوس اللعنة ، يوميا ً على " حائط مبكاه " لنختفي من الوجود ، خنقا ً أو حرقا ً أو طحنا ً ؟!
أما الواقعة الأولى فهي ، المحاولة المكشوفة لتغيير " خارطة مصر " و كتابة " إسرائيل " _ بوقاحة لا بوضوح ! _ بدلا ً منها ، ، على نحو ما حدث بصورة مثيرة في المنتدى الإفريقي / العلمي ب " تونس " مؤخرا ً ، حيث فوجيء الحضور بمجسم لخارطة لإفريقيا ، و قد كتب في المساحة الجغرافية المخصصة لمصر على الخارطة  ، كلمة " إسرائيل " 2020 ، أو بتعبير المكتوب : to be announced 2020  ، و هو ما أثار غضب د / " أحمد الجيوشي " نائب وزير التعليم ، الذي كان حاضرا ً المؤتمر ، و  طالب في الجلسة  بإيقاف هذا العبث ، مهددا ً بالانسحاب  إذا لم يكتب على المساحة الجغرافية المخصصة لمصر كلمة " مصر " بوضوح ، و المدهش هو ردة فعل " المنحط المتصهين " الذي رسم الخارطة و اقترحها و قدمها ، فقد أدار ظهره تماما ً للغضب المصري في المؤتمر ، و تحدث بتبلد عن حلمه الدامي ، مؤكدا ً أنه إذا رغب المصريون في الانسحاب ، فليفعلوا أما الخارطة فهي باقية بصورتها التوراتية / التلمودية التي عرضت في جلسة المؤتمر ! و بالقطع يحسب للمنظمين التونسيين ، و خصوصا ً وزير التشغيل التونسي " فوزي عبد الرحمن " ، الاستجابة للطلب المصري و التجاوب مع غضبة الوفد المصري ، و لكن يبقى السؤال : " ألا يعكس ما حدث حقيقة النية المبيتة ، و خبء الكره الأسود في النفوس ، و الرغبة المكشوفة لإزاحة مصر من الخارطة بأي ثمن  ؟! ألا يعكس هذا بوضوح حقيقة أن " العدو " مازال " عدوا ً " لم يهبط منسوب عداوته سنتيمترا ً واحدا ً  ؟!  و أن إسرائيل لم تتحول بعد ،  إلى قديس يوزع السلام و الحكمة و زهور التعايش و الصفح و الحب ؟!
و تبقى الواقعة الثانية ، أكثر دلالة ووضوحا ً ، حيث نجح " مجهولان " ( معلومان ! ! ) يركبان دراجة نارية في " ماليزيا " في إطلاق أربع عشرة رصاصة ، نحو العالم الفلسطيني النابه ، في مجال الهندسة الكهربائية " فادي البطش " ( 1983_ 2018 ) ، و اخترقت إحدى الرصاصات رأسه لترديه على الأرض  قتيلا ً ، مضرجا ً في دمائه ! و بصرف النظر عن تحقيقات الأمن الماليزي الجارية حول الواقعة ، أو تصريحات " مازلان لازيم " قائد الشرطة الماليزية حول الحادثة الإجرامية المنحطة ، فأن ملابسات الواقعة ، التي نباشر قراءتها بوجداننا و رصيد خبرتنا التاريخية مع الكيان المغتصب المجرم ، تقطع بأن " تل أبيب " هي الفاعل لا أحد غيرها ،  فقد جرت عادتها أن تترك موجات بشرية عربية من الناس ، يثرثرون في غير فائدة ، أو يحرقون علما ً ، أو يؤدون بنشاط مهمة الشجب ، و تترك بالقدر ذاته زعامات كرتونية ، تواجهها بالعداء العلني ، و تصافحها بحرارة تحت الطاولة ( لم تعد المصافحات الآن تحت الطاولة ! ) تترك هذا كله دون اكتراث ، و تنتقي العناصر النابهة العربية في مجالات تكنولوجية حساسة ، لتصفيها جسديا ً بدم بارد و تمطرها بالرصاص المجنون  ، كما فعلت مع " سميرة موسى " و " يحيى المشد " ، و أخيرا ً _ لا آخرا ً ! _ " فادي البطش " . لا أريد أن أقرأ سطرا ً واحدا ً من محاضر التحقيقات و ملفاتها في " كوالالمبور " لأتبين أية معلومات جديدة حول الواقعة ، أو هوية الجانيين ، و ما أثير ،  في محاضر التحقيق ، حول الجناة من أنهم " من القوقاز و على صلة ب ( استخبارات أجنبية ) " ، فقد اغتيل " البطش " و هو في طريقه لصلاة الفجر ، و هي نفسها الطريقة المنحطة ، التي التي اغتيل بها الشيخ " أحمد ياسين " و هو في طريقه لصلاة الفجر ، و تمت التصفية الجسدية للبطش بعد أن سجل براءة اختراع خطير في مجال تحسين نقل الطاقة الكهربائية ، و زيادة كفاءة شبكات الطاقة الكهربائية ، و هي الأسباب " التقنية " ذاتها التي اغتيل بسببها " يحيى المشد " و إن كان تخصص المشد مختلفا ً ، لكنه يصب في مجرى واحد ، تحسين الإمكانيات التكنولوجية للإنسان العربي ، و هو المحظور الإسرائيلي الذي لا يمكن تجاوز خطوطه الحمراء ، مهما كانت عبارات الغزل أو المجاملة أو درجة دفء العلاقة ( من طرف واحد ! )  !
 دموع " سامح شكري " في الجنازة الإسرائيلية الشهيرة ، أو حتى أطنان من عبارات المجاملة و الطمأنة ، او أنهار من الدموع الذارفة ، لن تغير من عداوة هؤلاء شيئا ً ، و لن تردهم إلى أي اعتدال محتمل _ كما قد يتصور الحالمون ! _  و ليقرأ العباقرة ، أصحاب رسائل الصداقة الجديدة ، بانتظام ما يكتبه منذ أسابيع " يوسف ملمان " في " معاريف " ، أو ما يعلنه باستمرار " موشيه كحلون " أو المتحدث الرسمي باسم حزب " البيت اليهودي " ، و ليقرأ العباقرة دلالة حصول " الليكود " على " ثلاثين مقعدا ً " في انتخابات مارس 2015 ، أو استقالة وزير الصحة " يعقوب ليتسمان " ، بسبب قيام بعض الشركات بأعمال الترميم و الصيانة للقطارات في إسرائيل  يوم السبت  المقدس ! ليقرأوا جيدا ً ما يدور في إسرائيل من إعادة طرح لمقترحات " ليفي أشكول "  ( المقدمة منذ عام 1967 ) ب " تفريغ غزة " _ و لو بالتعطيش _ و إجبار السكان على النزوح إلى " شرق الأردن " و " بلاد أخرى " !  ( ركزوا جيدا ً على عبارة " وبلاد أخرى " التي يجري استخدامها في إسرائيل هذه الأيام ! ) على القاهرة أن تأخذ كل أسباب الحذر من هذه " الكوبرا " السامة ، التي لم تكف عن لدغنا يوما ً ! فالعدو مازال " عدوا ً " ، و الصديق ، مهما تكن عمليات المسخ الإعلامي ، ما زال " صديقا ً " برغم أي شيء !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق