مُدَونَة د. حُسَام عَقْل

09‏/06‏/2018


همسة نصح لرئيس الوزراء الجديد

كالعادة استبقت بعض وسائل الإعلام، تعيين رئيس الوزراء الجديد د/ "مصطفى مدبولى" _ خلفًا لـ"شريف إسماعيل" _ بشلال هائل/ هادر/ متدفق من وصلات النفاق، تنسب إليه النجاح قبل أن يفتح ملفًا، وتعزو إليه كل أسباب التفوق والامتياز قبل أن يظهر "كرامة" واحدة أو يناهض مشكلة واحدة من تلال المشكلات والأزمات القاصمة للظهور، التى تجثم على صدر البلاد، وتحرم الناس _ من كل الشرائح والقطاعات _ من التنفس أو مجرد التقاط الأنفاس، شهيقًا وزفيرًا، ووصل الأمر بـ"اليوم السابع" إلى أن تقول _ فى زحمة عمل ماكينات التملق والتأليه _ إن الرجل شهدت البلاد فى عهده "نجاحات كبيرة" فى مدة "الشهرين" اللذين قضاهما قائمًا بعمل رئيس الوزراء "شريف إسماعيل"، حين اضطر هذا الأخير إلى السفر إلى ألمانيا للعلاج.. يا سلام!! هل كان الشهران اليتيمان  كافيين من وجهة نظر محرر اليوم السابع الهمام! _ لأن يقدم الرجل نجاحات من أى نوع؟! إن شهرين لا يكفيان لمجرد فتح الملفات وقراءتها، ولا نقول "إبداع حلول" أو حتى "وضع تصورات" لاقتصاد متآكل فى غرفة الإنعاش فعليًا، أو لشعب سدت رئتيه صخور النكبات الاقتصادية حد الاختناق التام بهذه "الإسفكسيا" الاختناقية الرهيبة، التي امتدت إلى الطبقتين: المتوسطة والدنيا كما لم يحدث من قبل فعز الطعام والدواء والسكنى الجيدة ومقابل المواصلات وباتت النتائج الاجتماعية الخطيرة لهذه الوضعية غير المسبوقة قريبة أو على مرمى حجر!.

فى العشر الأواخر من رمضان، حيث يفترض أن تتيقظ الضمائر، وتصفو القلوب وتجاب الدعوات، وتترسخ قيمة النصح المخلص، ليس فى نيتى توجيه نصح (من النمط التقليدى!) لرئيس الوزراء الجديد، كما أننى لست فى وارد أن أكون متفاصحًا أو معلمًا لأحد، ولكن أنين الناس الباكى المزلزل، المكتوم والمسموع، وهو يخرج نفثات حارقة من الصدور  تصك الآذان بقوة، يدفعنى لأن أدعو رئيس الوزراء الجديد، لأن يطالع جيدًا وجوه الناس فى الشوارع، دون تعجل أو تهوين من شأن الأمر، أو أن يطالع وجوه الناس فى أى سوق أو "سوبر ماركت" وهم يشترون السلع الضرورية وينفضون جيوبهم لآخر قرش متبقٍ، ويخاطبون أنفسهم وقد خبطوا كفًا على كف، يحسبونها من كل الوجوه، ويسدون الاحتياجات جهد طاقتهم بخلع الأضراس، ويتطلعون بخوف إلى الأفق القادم المجهول، مع زيادة أسعار المحروقات والوقود والكهرباء! أرجو من رئيس الوزراء _ أو غيره! _ أن يطالع الوجوه جيدًا قبل أن يوقع بقلمه أى قرار جديد. 

لا أريده، هنا، أن يستدعى خبراته المختزنة، حين كان خبيرًا بالبنك الدولى، أو خبيرًا ببرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الهابيتات)، أو حتى خبراته حين تولى حقيبة الإسكان، وسمع _ بأذنيه _ زفرات الألم المصرية وهى تتلوى فى الأفق! وإنما أريده أن يستدعى حس "المسئولية الأخلاقية"، كما قال المفكر البرازيلى الكبير "باولو فيريرى"، بمعنى استدعاء الحس الإنسانى بنبض القرار، وآثاره المتغلغلة، وتداعياته النافذة فى العمق، قبل الإقدام على مزيد من القرارات الاقتصادية "الهيكلية" بعد أن أبقت حكومة "شريف إسماعيل" على المائدة للمصريين "نصف كسرة" خبز جافة، تقريبًا لا تقيم صلب نملة صغيرة!.

لا نريد فقط سد خانات الأرقام على الأوراق، وإنما نريد الوعى الإنسانى باللحظة المأزومة الغارقة فى مساحة المحنة الهائلة (الشدة المستنصرية الجديدة القادمة التى نشم رائحتها بوضوح!)، لا نريد قنابل دخان للإلهاء والتشتيت أو صناعة أزمة صغيرة موازية، تكون بديلًا عن الأزمة الكبيرة  وفق نظرية "تشومسكى" الشهيرة، فما عاد هذا يصلح أو يجوز أو يصدقه أحد، لا نريد تصريحات متأنقة متألقة بالبلاغة أو الفصاحة، وإنما نريد ضمادة أو قطعة قطن صغيرة، توقف نزيف الجرح وتفكر بجدية فى طرق العلاج بعد أن ناشت أجساد المصريين الجروح من كل نوع، ومن كل جهة من الجهات الأصلية، لا نريد نظريات تصلح لقاعات المحاضرات أو استوديوهات الإعلام، وإنما نريد يدًا تمتد بجسارة للمصرى اللابد فى قاع الحفرة، لتخرجه إلى السطح لعله يتنفس بعضًا من الهواء، لا نريد "أكروبات" قافزة تنط بنا وتلف وتدور دون طائل أو فائدة، وإنما نريد (عدلًا) ينسجم مع رسالة شهر رمضان وقيمه الكبرى، فى المشاركة وتقاسم الجوع والظمأ!.

وفى أجواء رمضان قلبت فى مدونة السنن والصحاح والمسانيد، فلم أجد فى هذا الظرف المسنون الحاد الحارق، خيرًا مما رواه الإمام أحمد فى مسنده: "وجدت فى خزائن "بنى أمية" حنطة، الحبة بقدر نواة التمرة، وهى فى صرة مكتوب عليها: "كان هذا ينبت فى زمن العدل"! وإذا كان محتمًا أن نحتمل العبء، فلنتقاسمه جميعًا لا نستثنى رجل أعمال أو نائبًا برلمانيًا أو متنفذًا كبيرًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق