ولد الفنان " محمد صبحي " في عام النكبة ( 1948 ) ، و ربما كانت رمزية ميلاده في عام النكبة التي فقدنا فيها فلسطين ، هي أول ما يتبادر إلى الذهن حين نود أن نعلق على الكارثة الوضيعة الأحدث ، بتأييد هذا الكوميديان _ بغرور عجيب ! _ للنظام السوري الدموي في مذابحه المروعة و مجازره غير المسبوقة . و هو التأييد الانتهازي ، الذي عبر عن نفسه من خلال زيارة كبير عائلة " ونيس " لمعاقل النظام السوري وسط ذهول الجميع ، و مباركته العلنية لجريمة القرن التي تتم في سوريا وسط استنكار شعبي واسع النطاق ، حيث تمرغ " محمد صبحي " في التراب ، و مرغ معه الحركة الفنية المصرية التي بدت في " زيارة العار " مجرد قفاز تافه مستقذر ، يمسح فيه القتلة أيديهم الملوثة بدماء شعوبهم ، لا دماء أعدائهم ! و من جديد يثبت " محمد صبحي " أن الحركة الفنية المصرية ، في معظم مراحل تاريخها ، كانت مجرد " محلل " انتهازي أو " تيس مستعار " للفاشيين و القتلة ، فأصبحت دائما ً _ إلا فيما ندر _ بوقا ً لأحلامهم الدموية ، و مبررا ً ينتحل الأعذار لجرائمهم الكبرى ، و بابا ً خلفيا ً لتمرير _ و تسويق ! _ أفكارهم الشاذة ، و مشروعاتهم الدامية القمعية التي ذاقت منها الشعوب العربية كأس المر و الحنظل . فازداد فنانو العار ثراء و تضخمت حساباتهم المصرفية ، و ازدادت الشعوب تعاسة و تقلبا ً في القهر و الفاقة و المرض ! يشير الحاكم الشموليي بإشارة أصبعه من باب التمني ، فتصبح إشارته نشيدا ً وطنيا ً أوركستراليا ً بعد ساعات ، و يتلعثم في خطبة من خطبه بعبارة شاردة بلهاء ، فتصبح عملا ً دراميا ً ترصد له الملايين ، و يصرح الحاكم بأي تصريح أجوف لا يعني شيئا ً ، فيصبح تصريحه في اليوم اللاحق موضوعا ً لفيلم سينمائي تحتشد له البلاتوهات ، و تتهيأ له مئات الكاميرات !
خرج بعض الفنانين عن هذا الخط الانقيادي / الانتهازي ، كالرائع الراحل " عاطف الطيب " ، و الموهوب " توفيق صالح " و العبقري " كمال سليم " ، فكان جزاؤهم التجاهل و الجحود و النسيان ، و ظل يمتطي ظهر المشهد الزامرون و حملة المباخر ! لم تخرج أبدا ً الحركة الفنية عن هذا الفطام الاستبدادي ، و لم تفكر في أن تتمرد عليه قيد شعرة ! كانت تعرف أن الزعامات التي تطبل لها تقودنا إلى الهاوية ، فلم يختلج لها عرق بالنبل ، و لم يستفق لها ضمير يصدع بالحق بل كان التفكير دائما ً منصرفا ً إلى الشو الإعلامي و حسابات البيزنس و أفلام المقاولات ! تصورنا أن لحظات الميدان الخالدة في 25 يناير قد غيرت في الخارطة شيئا ً ، و سمحنا لحلمنا بحركة فنية مستقلة نبيلة ، أن يرفرف في السماء برفيف أجنحة ، و جاءت المواقف الانتهازية المتلاحقة لمعظم رموز الحركة الفنية ، ثم جاءت زيارة العار إلى دمشق ، لتثبت لنا أننا كنا واهمين ، و أن الأكل على كل الموائد سيظل سمة ملازمة لنخبة العار الفنية ، و كان الأكل هذه المرة من دم الأطفال السوريين و لحومهم !
تأكدنا بما لا يدع مجالا ً للشك ، أن الفنان أو المثقف المصري ، الذي صنع على عين السلطة ، و أدى أدواره خلف المدرعة أو بوكس الشرطة ، قد أصبح في طبيعة تكوينه عوار أخلاقي جذري ملازم ، لكن لم نتصور للحظة ، أن الذين يتأوهون أمام الكاميرات برقة ، و يلقون على مسامعنا دروسا ً حول التربية و الحرية و التسامح في طابور " ونيس " الشهير ، يمكن أن يباركوا القتلة ، و يرقصوا في المجازر ( الموثقة ) صوتا ً و صورة !
و حين هاج " الفيسبوك " و انتفض غضبا ً ضد " محمد صبحي " ورفاقه الذين وظفوا الفن أسوأ توظيف ، و استثمروا جماهيريتهم العريضة لتجميل وجوه القتلة ، لم يزد محمد صبحي _ في ردة فعله _ عن أن يقول لمعارضي زيارته _ و هم الأغلبية _ : " .. منحطون أخلاقيا ً ..! " ليسقط عن وجهه قناع اللباقة و اللياقة الذي خدعنا به عقودا ً ، و ليفرد للجميع الملاءة في ردح فضح كل شيء ، و افتضح معه وجه " الجنتلمان " الذي يقبل أيدي السيدات في الليالي المخملية تحت أضواء الشموع مع موسيقى " باخ " الحالمة ، و ليظهر وجه " شبيح " يسب الجميع بفجاجة و يتحالف علنا ً مع الجزارين في دمشق ، و لا يسمح لأحد أن يختلف معه ، و هو موقف يتماهى تماما ً مع " شبيحة بشار " الذين كانوا يغزون المدن السورية المسالمة بالمدي و البلط و السكاكين !
الشعوب العربية ، التي خذلها اليوم " محمد صبحي " ، هي نفسها التي منحته النجومية العريضة ، و عمرت أروقة مسرحه ، و صفقت له حين حدثها يوما ً عن أشواق الحرية ، و العدالة الاجتماعية ، و التسامح الإنساني ، و الديمقراطية الموعودة ، و قد كان يوما ً ما يسترق النظر إلى النجوم الكبار في سينما " الكرنك " المواجهة لمنزل صباه في منطقة أرض شريف ، و كان يطمح فقط أن يجالس الكبار ، حين بدأ الأدوار الصغيرة _ كومبارس _ عام 1968 ، و قفزت به الجماهير قفزة عريضة ، أدارت رأسه ، و تكرست نجاحاته الجماهيرية من خلال مسلسل " سبعيناتي " ضحل _ واكب مرحلة الانفتاح _ و هو مسلسل : " فرصة العمر " حيث كان أداؤه ينضح بالافتعال و السخافة ، و لكن حسابات السبعينيات و مرحلة " القطط السمان " سمحت بتحويل هذا الافتعال إلى نجومية ! و حين سخر " مبارك " من الجماهير في الثمانينيات و خدعها بحلم تعمير الصحراء و تحويلها إلى مروج و مساحات غضة خضراء ، و كان في واقع الحال يتيح كل الفرص لسرقة المال العام و التربح الوحشي منه ، مضى " محمد صبحي " مع " مبارك " في " دويتو " متفاهم فكان مسلسل " رحلة المليون " و " سنبل " ، وسيلة ( فنية ) لتسويق أوهام مبارك و أكاذيبه حول زراعة الصحراء ، بينما كانت القاطرة تتجه إلى الابتزاز و الضرائب و الإفقار المنظم ، و الخصخصة المرتجلة و بيع أصول الدولة ، و شارك صبحي بهمة كبيرة ناشطة في مهمة قلب الحقائق و تزييفها !
و الآن يمضي " صبحي " إلى دمشق و يبارك جريمة العصر بدم بارد ، و يلتقط صورة باسمة ، سمجة كطرفيها ، مع مفتي سوريا " أحمد حسونة " ، و يلقبونه في سوريا ب " المنافق الأكبر " ، و يصافح صبحي القتلة علنا ً أمام الكاميرات ، بعد أن تأكد ، أن موجة الشعوب المحررة في طريقها للانكسار ، في مقابل صعود متجدد للأنظمة الشمولية ، و الزعامات الكارتونية ، و نقل صبحي _ بحسم _ المزاد إلى قصور الحكام مجددا ً بعد أن تأكد من أفول نجم الشعوب ، و الموجات الشعبية الهادرة في الميادين !
يقول صبحي للرأي العام _ في خديعة جديدة _ بأنه ذهب إلى معرض الكتاب في سوريا ، لا إلى " بشار " ، و تتوالى تعليقات المغردين السوريين على التويتر ، فيقول أحدهم لصبحي : " .. لم تذهب للسوريين ، فقد شردهم من ذهبت إليه .." ! و يقول آخر في ( تويتة ) : " .. ذهبت لتبارك للمجرم انتصاراته على شعبه .." ! و يقول سوري ثالث : " ..أنت الآن شريك للنظام في كل دم سفك .." ! يا سيد صبحي الأنظمة التي تطحن عظام شعوبها بالبراميل المتفجرة ، لا يمكن أن تكترث بمعارض الكتاب ، أو تقيم وزنا ً لقيم الكتاب و أخلاقياته الكبرى ، و الذي يسحق أنوف الأطفال تحت المجنزرات ، و يسمل أعين الأبرياء ، و يحرق جثثهم علنا ً أمام الكاميرات في حي " الرفاعي " و " العدوية " و " كرم الزيتون " ، لا معنى لأن يقيم ألف معرض للكتاب ، لأن وظيفة الفن و الكتاب ، حماية الإنسان ، لا عجنه في خلاطات التعذيب و ماكينات القتل المنهجي المنظم !
النظام الذي ذهبت لتدعمه علنا ً ، يقتل شعبه بسعار مجنون ، بدعم الميليشيات الإيرانية التي احتلت أرض سوريا الأبية ، و بدعم مواز ٍ من روسيا التي احتلت سماء سوريا لينطبق طرفا الكماشة حول رقبة الشعب السوري الشقيق ! و النظام الذي ذهبت لتهلل له ارتكب _ بحسب أدق التقارير الموثقة _ ما يقرب من ثلاث و عشرين مجزرة كبرى ، لا تدعي أنك لا تعرفها ! بدءا ً بمجزرة " الحولة " في ريف " حمص " ، عام 2012 حيث دخل الشبيحة المدينة بالسكاكين ! مرورا ً بمذبحة " داريا " عام 2012 / أغسطس و كانت مشاهد المجزرة ترى بالعين المجردة من القصر الجمهوري ! وصولا ً إلى مذبحة " الغوطة الشرقية " بالكيماوي ، حيث ذابت لحوم الألوف تحت وقع السلاح الكيماوي الفتاك ! و انتفض غاضبا ً القانوني و المحامي الدولي الشهير _ المتخصص في جرائم الحرب _ " دانيال ماكوفر " فقال عن جرائم النظام السوري : " .. هجوم منهجي واسع الانتشار .." و دعا إلى تشكيل محكمة دولية بنمط محاكمات " يوغوسلافيا " و " رواندا " . و لم يدر بخلده أن " كوميديانا ً " مصريا ً سيعتبر هذه السفالة في ذبح الشعوب بدم بارد " حماية للدولة " ! و أية قيمة للدولة دون " ناسها " ؟! و جرائم النظام السوري تأتي دائما ً _ كما تقول التقارير الدولية _ " على خلفية تطهير إثني ( أي عرقي ) " كما حدث في " بانياس " في محافظة " طرطوس " ، حيث كان الغرض الواضح ، هو التخلص من مجموعات طائفية / بشرية بعينها ً !
في ساحة الفن الرفيع عرفنا الكوميديان / الفيلسوف الكبير " شارلي شابلن " ( 1889 _ 1977 ) ، الذي غرد للإنسان ، و غنى لحريته في " الأزمنة الحديثة " ( 1936 ) ، و كانت مواقفه المشرفة في نصرة الحريات مضرب الأمثال ، حيث مثل أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي ثمنا ً لمواقفه المشرفة في دعم الحريات ، لا خذلانها كما يفعل كوميديانات الزمن الأنكد ! و في ساحة الفن الرفيع عرفنا مسرح " يوسف الخياط " الذي جهر بكلمة الحق المؤلمة في وجه الخديوي " إسماعيل " ، الذي أمر بإغلاق المسرح و طرد يوسف و فرقته خارج مصر ، و أثبت الخياط موقفا ً للتاريخ . يا سيد " صبحي " الفن الذي يخذل الحريات ، و يتآمر على الشعوب ، و يغني ملء حنجرته لمجازر الخراب و الموت من داخل جراب الأنظمة الشمولية ، توصيفه الوحيد ، أن يكون مجرد " مشامع و مشاهد " فاشية ، مكانها الوحيد تحت أقدام الشعوب ! و مازالت مصفاة المواقف مستمرة في عملها ، لتعرية مزيد من الأقنعة التي خدعنا بها طويلا ً !
نُشرت في جريدة (المصريون) و موقعها
بتاريخ 25 أغسطس 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق