
تراكمت فتاوى د علي جمعة ، ذات الطابع التحريضي لاستباحة الخصوم السياسيين ( ذوي الرائحة النتنة ! ) ، و نجم عن هذا الخطاب التحريضي ، المتلفع بثوب " الفتوى الدينية " باعتبار " المعارض " " خارجيا ً " ، صراعات ضخمة ، حسمت حالة التردد لدى الأجنحة المترددة داخل السلطة في توسعة مساحة الصدام و نوعيته ، و مع انفلات أول طلقة ميري ، توالت _ كما توقعنا للأسف _ التوابيت و الجثث كصنبور المياه المفتوح ، حتى لحظة كتابة هذه السطور ، دون أن يتمكن أحد من إنقاذ أبنائنا _ من المدنيين و العسكريين على السواء _ من سعار القتل و عجلته المجنونة الدائرة !
و لا أدري كيف يستطيع د علي جمعة أن يغمض عينيه _ بنوم مستريح _ و الضحايا من المدنيين و العسكريين _ في كل المحافظات _ قد تراكموا ألوفا ً كنتيجة مباشرة لتنحية السياسة جانبا ً ، بغطاء ديني ، كان هو أبرز رموزه ، و استفزاز حالة الصراع الدامي / الصفري ، التي تصور البعض أنها صفحة كتاب سرعان ما تطوى ، دون أن يدروا أن لكل فعل " ردات فعل " في المستقبل القريب ، أو البعيد . ، قد تستخدم هي الأخرى _ في أعلى سقوفها الراديكالية _ السلاح الحي ، و قد بادرت فتاوى الاستباحة بالفعل ، إلى استفزاز الصراع الصفري ، الذي كنا نتجنبه منذ البداية بالبدائل السياسية ، و تأكد لدينا أن استفزاز هذا الصراع الصفري و استهلاله ، كما أكدت معادلات التاريخ منذ الازل ، و قلب مائدة اللعبة الديمقراطية رأسا ً على عقب ، قد يبدو أمرا ً سهلا ً ، لكن إيقاف هذا الصراع الصفري ، أو التقليل من سرعته المجنونة ، و استعادة ثقة الناس مجددا ً في المسار الديمقراطي ، أمر لن يتحقق ثانية إلا بشق الأنفس ! بوضوح اختارت ( تونس ) الحوار بنفس طويل مهما يكن الثمن ، و اختارت ( مصر ) _ بضغط الخطاب التحريضي و فتاوى الاستباحة التي قادها د / علي جمعة _ الإقصاء و الانفراد بوجهة وحيدة ، نجني الآن فشلها المر في حلوقنا مرارا ً و حنظلا ً ، في كل المستويات السياسية و الاقتصادية . . و مازلت أذكر مرارات أستاذة أكاديمية بجامعة " شيكاغو " و هي تسألني _ قبل أشهر _ بأسى : " لماذا لم تصبروا على المسار الديمقراطي قليلا ً ، و تغيروا بالصندوق إذا رأيتم ذلك ضروريا ً لإزاحة الفاشلين متى ثبت فشلهم ؟ " و لماذا انعطف المسار بعد 3 / 7 إلى متوالية الموت ؟! " و هو سؤال لم أستطع _ حتى الآن _ أن أجيب عنه !
و بوضوح هل كان د علي جمعة ، ابن محافظة " بني سويف " و مفتي الديار المصرية من 2003 حتى 2013 ، يعي و هو يقص شريط المشروع الصراعي الدامي ، و يقدمه مرة بمحضر القيادات العسكرية في لقاء عام ، و الجميع يترقب كلمة الشرع من فمه ، و مرة أخرى مرتقيا ً المنبر ، و مكررا ً _ بالفم الممتليء _ : " طوبى لمن قتلهم و قتلوه .." ، أقول هل كان يعي " المآلات الدامية " لخطابه الفقهي التحريضي ، حيث لم نعد قادرين على إحصاء الموتى و الضحايا ، الذين تطايرت دماؤهم في كل الاتجاهات ؟!
تحت يدي كتاب للدكتور " علي جمعة " بعنوان : " البيان لما يشغل الأذهان / مائة فتوى لرد أهم شبه الخارج و لم شمل الداخل " ( المقطم للنشر و التوزيع / ط1 / 2005 ) ، و هو كتاب يقع في نحو من مائتين و سبعين صفحة ، تأثر فيه د جمعة _ فيما يبدو _ بكتاب الشيخ " محمد الغزالي " : " مائة سؤال في الإسلام " ، و شتان بين الكتابين و الرجلين في طبيعة النتائج و الدور التاريخي لكل منهما ، و يلاحظ أن " لم الشمل " عبارة تتصدر العنوان ، فهل حققنا _ و السؤال للد جمعة _ خطوة واحدة في " لم الشمل " _ بفكره و فتاواه و طبيعة مواقفه السياسية _ أم أننا مزقنا الجسد إلى ( مائة قطعة ) فجزأنا المجزأ و قسمنا المقسم ؟!
و لم يكتف د / جمعة بذلك بل نقل مغامراته إلى ( الدائرة العربية ) في استثمار رديء للخلاف الخليجي / الخليجي ، فأعلن أن " قطري بن الفجاءة " ، إمام الخوارج الأزارقة ، قد نزل قديما ً ( قطر ) ، هاربا ً من العراق ، فسميت باسمه ، و أصبحت منذ هذه الساعة ، محط ( الخوارج ) ! و أن " المهلب بن صفرة " ( و قد نطق اسمه بطريق الخطأ لأن اسمه " المهلب بن أبي صفرة " !) كان ( إماراتيا ً ) نجح في طرد الخوارج من قطر قديما ً ! و للمرة المليون يتم توظيف ( الديني ) لخدمة ( السياسي) برداءة و عجرفة . فنحن نعرف جيدا ً فيما ذكر ( ياقوت الحموي ) في ( معجم البلدان ) أن أصول الرجل ( قطري ) ترتد إلى ( العدان ) ( من أعمال الكويت ! ) و فيما تطبق كلمة المؤرخين الثقات على أن ( المهلب ) أزدي ولد في " دبا " بسلطنة عمان ، فلا علاقة للرجلين بقطر و الإمارات ! بوضوح أقول للد جمعة : انظر إلى الخلف _ في مدى ثلاث سنوات فقط _ لتدرك كم إنسانا ً قتل بأثر مباشر من فتاواك ، و أعد النظر إلى شهادة ميلادك ( تاريخ الميلاد تحديدا ً ) لتتاكد أنه لم يبق في أعمارنا الكثير لمزيد من الذهاب إلى منطقة التيه و فتاوى التحريض و الاستباحة ، التي قصمت ظهر الوطن ! و للحديث بقية .
من جريدة (المصريون)
بتاريخ 28 يوليه 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق