
و بغض النظر عن أن بعض مقاطع المقال ، لا يكتبه _ بهذه الفجاجة _ إلا من عاقر حشيشا ً مغشوشا ً ، أو ابتلع كمية من أقراص " الترامادول " دفعة واحدة ، فإنني أحذر هنا من أن يعد موقف هذه الموتورة ، ممثلا ً للملايين من أصدقائنا في بلاد الحجاز الذين يحبون مصر بصدق ، و يدعون لها _ في ساعات السحر _ أن تخرج من محنتها الثقيلة ، و مازلت أذكر صديقي من الدمام _ موطن الهانم ! _ و هو يتحدث عن أزمة مصر و دورها التاريخي ، و قد غلبته دموعه بصدق حي لم يبرح مخيلتي أو يفارق ذاكرتي ، و ثمة عشرات من الأصدقاء في المدينة و مكة و حائل و الرياض و غيرها من المدن ، نلتقيهم فنأنس لديهم نفسا ً سمحة ، و لغة مهذبة ، و خطابا ً ودودا ً لا يعرف معنى التعالي . ( أتحدث إليكم من داخل مصر لا من داخل السعودية فلا أطمح من ثم في أية أسلاب أو غنائم ! )
حين وصفت الروائية السعودية _ التي لا تمثل إلا نفسها _ ب " الفاشلة " لم أقصد التجريح فقد كتبت الفتاة التي سعت لإشعال النار ، سيرة ذاتية بعنوان : " مذكرات أديبة فاشلة " ( دار شمس / 2011 ) ، ثم عاودت إكمال سيرتها الذاتية في كتاب آخر بعنوان : " فاشلة تحت الصفر " ! ! و أصدقكم القول فقد راجعت لها بعض القصص في مجلة " أقلام جديدة " الأردنية ، و جريدة " الوطن " البحرينية ، فلم أجد إلا صفة واحدة تجمع كل هذه النصوص ، ( الفشل ) بأدق معاني الكلمة في الرؤية الفنية المترهلة ، و الخيال المحدود و الأداء اللغوي ( الكارثي ) !
صبية الكتابة التي تسخر من المدرسين المصريين و تعتبرهم مجرد ماض ٍ ، تقول في المقال : " .. هل ملايين العاملين في السعودية ( مستعدين ) للعودة ؟ .." و أقول لها لو درسك اللغة العربية مدرس ( مصري ) ، لاستطعت أن تكتبي كلمة ( مستعدين ) في صورتها السليمة " مستعدون " و لما تعثرت في إعراب " خبر المبتدأ " ؟!
لا تمتين بصلة للمبدعين السعوديين و المبدعات السعوديات ، ممن نلتقيهم في الندوات فلا نأنس فيهم هذا الحقد العنصري الأسود الطافح ، و شخصيا ً استقبلت في " ملتقى السرد العربي " الذي أشرف بإدارته ، أدباء بوزن الصديق القاص المتألق صاحب الخلق " سيف المرواني " ، أو الرائعة حقا ً " نبيلة محجوب " ، أو المترجمة المتمكنة " تركية العمري " ، فلم أجد في هؤلاء إلا انفتاحا ً إنسانيا ً راقيا ً ، و لغة مهذبة ، و ثقافة عميقة ، و ترسيخا ً حيا ً لروح الأخوة الصادقة ، بعيدا ً عن أية نزعات للتعالي العنصري ، فمن أي رحم عنصري خرجت كلماتك العقور ؟!
نؤمن ، في كل المراحل ، بأنه في دنيا الحضارات فالأيام دول لا تقر على قرار و لا تثبت على حال ، و للحضارة " دورات متعاقبة " _ كما يقول " ابن خلدون " _ فهي تعرف معنى المد و الانحسار ، القوة و الضعف ، التوهج و الخفوت ، و إذا قدر لمصر _ بسبب غباء السياسات و حماقة القرارات المرتجلة _ أن تكون ( ضعيفة ) في المرحلة الحالية ، بما يغري بها صبية الكتابة ، فلدي أمل وطيد بقدرتها على تجاوز الجرح كما اعتادت في مراحلها التاريخية العصيبة .
و لن أرتد هنا بالتاريخ إلى الوراء ، فأذكر ب " التكية المصرية " في مكة و قد تحدث عنها ، باستفاضة " إبراهيم رفعت باشا " في كتابه : " مرآة الحرمين " ، حيث كان يأوي إليها الفقراء من كل الجنسيات صباحا ً و مساء فيتلقون الأرغفة و الأرز و اللحوم و الحمص و السمن ، عطاء مصريا ً نبيلا ً لا يعرف العنصرية و المن و الأذى ، و لن أذكر ب " التكية المصرية " في المدينة _ و قد أنشأها " إبراهيم باشا " نجل " محمد علي " _ و كانت محلا ً مختارا ً للفقراء يتلقون من خلالها مؤونة مصرية سخية من القمح و اللحم و الغلال ، و لن أذكر ب " الكسوة المصرية " و " طلعة المحمل " ، أو بالقبلة الشهيرة التي طبعها الملك " عبد العزيز آل سعود " على يد " الملك فاروق " امتنانا ً للعطاء المصري النزيه الذي تمثله شقيقة كبرى نذرت نفسها لأخواتها بصدق ، و هي أمور ما فكر المصريون يوما ً أن يخرجوها من صندوق الذكريات ، لأن المصري و السعودي يفترض أن يكونا شقيقين في رحلة عربية عصيبة واحدة ، تحفها الأخطار المزلزلة من كل الجهات و لا مجال لأن نلتفت فيها للأعشاب الطفيلية عديمة الفائدة ، و لا يتعين أن نسمح للصغار و الصغيرات بإشعال المواقف باستخفاف أو بوضاعة !
و لا أستطيع ، بالقطع ، أن أمنع نفسي من الغضب الشديد بإزاء من أوصل الدولة المصرية _ بالسياسات الرعناء _ إلى هذا المنحدر الذي لم يخطر لنا في بال أو في كابوس ، لكنني موقن أن مصر العظيمة أكبر بكثير من سياسات السلطة الحالية التي تعكس تقازما ً لا يمكن تصديقه ، و لكن يبقى _ في الختام _ أن أقول ل " فتاة البسكويت " إن الضمير المصري الشعبي ، الذي عبر عن نفسه كالإعصار من خلال صفحات الفيسبوك ، قد قالها لك بوضوح : " .. يا ابنة ( الأمس القريب ) مصر العظيمة تمرض ... و لا تموت " !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق