
طالب بعض نواب البرلمان ، الذين بدا دورهم منذ البداية شاحبا ً ميتا ً ، بإرجاء الزيادات المفترضة للسلع و الخدمات ، إلى شهر يناير القادم على الأقل ، و خصوصا ً فيما يتصل ببنزين ( 80 ) ، حتى يتحسن موقف الموازنة ، و يتم تقليل التضخم ، و لو نسبيا ً ، و لكن السلطة ركبت ظهر الجنون فجذبت أمعاء الناس خارج أحشائهم ، في رهان وحيد على الخيار الأمني ؟!
و يقرر الخبراء الاقتصاديون بأنه منذ تعويم الجنيه ، فإن الأسعار يتوقع أن تزيد _ دوريا ً _ كل ستة أشهر ! فيما يتوقع الخبراء مع عمليات تحريك الأسعار الأخيرة أن تتم زيادة التضخم ما بين خمسة بالمائة ، أو ستة بالمائة ! و أن تزيد بالتوازي أسعار السلع و الخدمات ما بين 15 بالمائة إلى 20 بالمائة ! و يخرج السيد ( شريف إسماعيل ) رئيس الوزراء ليبشرنا بأن القرارات ( المغولية ) الأخيرة ستوفر للموازنة 35 مليار جنيه سنويا ً ، و هنا أسأله هل هذا هو الضخ الاقتصادي الفلكي الذي سيصنع الفارق من وجهة نظرك ؟! هل هذا هو الذي سيجنبنا حريقا ً اجتماعيا ً منتظرا ً ؟! أو أقول له بلغة أولاد البلد : " مصدق نفسك ؟! " و هل تجرؤ على مواجهة غول رجال الأعمال و لوبيات الفساد المصري _ رأس المال المتأمرك _ القابض على رقبة المصريين ؟ ! لن تجرؤ بدليل أن البنزين المميز الذي يستخدمه العلية و الكبار كانت زيادته _ في القرارات الأخيرة _ خمسة و ثلاثين قرشا ً فقط لأنك لا تجرؤ على مناهضة غضبتهم المنتظرة و هم ، و الحق يقال ، يجيدون لي الذراع ،.. الانبطاح امام رأس المال و صندوق النقد الدولي ، و الصراخ كطرزان امام ملايين البسطاء من المصريين ؟!
ما لم تقله التقارير المرفوعة للرئاسة _ و لن تقوله فيما أرى _ أن الشرفاء من كل الفئات تتلاشى مرتباتهم _ تبخرا ً _ في الأيام العشرة الأولى من الشهر ، و يواجهون ما بقي بالاستدانة ، و أعرف هنا حالات مؤسية لأسماء كبيرة معروفة تلهث وراء ثمن الدواء ، و كسرات الخبز و مصروفات الدراسة و الأمثلة تند عن الحصر !
حين نزل أعداء " أردوغان " السياسيين إلى الشارع ليدافعوا عنه في وجه الانقلاب العسكري الفاشل الأخير _ برغم استمرار كراهيتهم الإيديولوجية له _ كانوا يعون في الذاكرة أنه تسلم " إسطنبول " يوما مترهلة قذرة مدينة بملياري دولار و تركها أنيقة نظيفة بفائض تجاري قدره أربعة مليارات دولار ، في مدى أربع سنوات من عمديته للمدينة _ أضغط هنا على أربع سنوات و المغزى معروف للجميع ! _ و حين قاد أردوغان قاطرة الدولة التركية ، عقب انتخابات 2001 ، أجهز على البطالة و صعد بدخل الفرد بمقدار عشرين في المائة ووصل بخدمات المياه و الكهرباء المخفضة إلى كل بقعة تقريبا ً ، ووزع مليونا و نصف مليون طن من الفحم على الفقراء في المناطق الباردة دون مقابل ، و بنى 280 ألف شقة سكنية للفقراء بأقساط ميسرة ، ووزع الكتب على طلاب المدارس في مختلف المراحل التعليمية مجانا ً ، و قفز بالناتج المحلي من نحو 147 مليار دولار عام 2001 ، إلى نحو 362 مليار دولار عام 2005 ، و كان قد تسلم الدولة التركية و قد انهارت بورصتها تقريبا ً ، و قفز دينها الخارجي إلى مائة مليار دولار ، و كان للرجل جرأة الأسد الهصور و هو ينتزع آلاف الفيلات من قبضة رجال الأعمال الفاسدين و يرد ثمنها إلى الخزانة العامة ، و لهذا لا نستغرب أن يدافع الخصوم السياسيين لأردوغان عن تجربته بأظافرهم بهذه الضراوة ، برغم أي اختلاف معه ، رجلا ً و منهجا ً ! فيما لم نسمع من سلطتنا المبجلة في مصر سوى التصريحات الارتجالية و التأوهات و أغاني ال " دي . جي . " و حماقات المدافعين البلهاء عن سياساتها الاقتصادية في برامج التوك شو ، دون أن يدروا ان التاريخ الحقيقي بات يصنع في عواصم أخرى لا تعرف اللف و الدوران و دغدغة المشاعر بالكلام الأجوف !
ما السر في نجاحات الآخرين و إخفاقنا المدوي ، الذي أغرى بنا الجميع فتلاعبوا بمياهنا و مقدراتنا دون تحسب لفواتير ؟! سأترك الراحل العظيم اللواء " محمد نجيب " ليقدم الإجابة عن هذا السؤال ، ففيما يبدو أن السلطة الحالية لا تؤمن بنصائح ( المدنيين ) : " على أنني أعتبر ما حدث ليلة 23 يوليو 1952 انقلابا ً .. و ظل على هذا النحو حتى قامت في مصر التحولات الاقتصادية و الاجتماعية ، فتحول الانقلاب إلى ثورة . تحول الانقلاب إلى ثورة من ساعة ما وضعنا عيوننا على الشعب قبل الجيش .. و على الصغير قبل الكبير " ( " كنت رئيسا ً لمصر " ص 146 ) .. هل وصلت الرسالة ؟!
من جريدة المصريون
بتاريخ01 يوليه 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق