الجريمة المذهبية المتكاملة في ( جروزني ) !
يوما ما انتفض أحد رموز الأزهر الباذخة الرفيعة ,الشيخ ( محمود شلتوت ) ( 1893_ 1963 ) باكيا ً , بعد أن حاصرت قوى الشر الأزهر بالقيود و التكميم و نزع الأوقاف , و هتف في فورة بكائه : ( أعيدوا لي أزهري القديم ..! ) هل بتنا نحس غصة مماثلة في الحلوق لتلك الغصة التي ذاق الشيخ مرارتها , في أعقاب صدور قانون تطوير الأزهر ( القانون 103 لسنة 1961 ) و هو القانون الذي قام بتدجينه فعليا ً و الإجهاز التام على استقلاليته و موارده المالية بفجور ؟ ! و هل يحق لنا أن نقول بصوت مختنق بأصداء بكائه القديم : ( أعيدوا لنا أزهرنا القديم ! )
سؤال عريض بحجم الأفق يفرض نفسه : ( من ورط الأزهر في فضيحة ( جروزني ) ؟! و من سحب المؤسسة الإسلامية في مصر إلى هذا المستنقع الطائفي الآسن الخطير الذي لم تعرفه مصر يوما ً ؟! و من جعل من مصر العظيمة مخلب قط لضرب الحالة السنية من الداخل بهذا الحمق و تفتيتها مذهبيا ً بإشعال صراع الشيطان _ للمرة الأولى ! _ بين ( الأشاعرة ) و ( الماتريدية ) من ناحية , و بين الكتلة السلفية الهائلة التي تستوطن المنطقة العربية من ناحية أخرى ؟! و ما جدوى توريط المؤسسة الإسلامية في مصر في هذه المواجهة الرعناء مع التيارات السلفية في العالم العربي ؟ ! وهل تحسب المشاركون الضالعون في فضيحة مؤتمر ( جروزني ) ( بل جريمته ! ) _ بالقدر الواجب من تقدير الموقف _ معنى بتر خيوط الصلة تماما ً ب ( المملكة العربية السعودية ) و استفزازها بهذا الاندفاع المكشوف الملتاث و دلالة أن تخاطر مصر ( المثخنة بالجراح حتى النخاع ! ) بفقدان الصديق السعودي للأبد ( أكرر للأبد ! ) على خلفية هذه المؤامرة السياسية الخائبة غير المسبوقة , و المتلفعة بالفكر العقائدي و المذهبي , بينما اللعبة بتمامها ( سياسية ) من قمة الرأس إلى أخمص القدمين , مبتذلة بدرجة افتضاح تثير التقزز, و يقودها رجل ( الفودكا ) و الدم ( فلاديمير بوتين ) ؟! ما المصلحة الشرعية و السياسية الظاهرة لمصر في أن تسوخ قدماها و تنغرس في قلب هذا الوحل الطائفي الذي يضيف لتراكمات الانقسام المذهبي و الطائفي في المنطقة مواجهة مجنونة جديدة بين ( الأشاعرة و الماتريدية ) و بين ( التيار السلفي بأطيافه ) ؟! و من الشبح الشيطاني الذي يحرك الأطراف كعرائس ( الماريونيت ) و يشعل عود الثقاب بشكل هستيري بين الصفوف لينفجر لاحقا ً برميل البارود داخل الحالة السنية التي ظلت متماسكة بنيويا ً من الداخل ؟! و من قرر منذ البداية اللعب في مربع العقيدة المتصلة ب ( أهل السنة و الجماعة ) ؟! و لماذا الآن ؟! و من الذي يجعل من مصر الأزهر تنقاد _ بهذا الخضوع العجيب _ للرئيس الشيشاني ( رمضان قاديروف ) و مؤامرته المفضوحة في ( جروزني ) , و هو حامل الحقائب المخلص ل ( بوتين ) , بل إنه قال في ملأ من شعبه و جيشه : ( ..إن جنود الشيشان مستعدون للتضحية من أجل الرئيس ( بوتين ) ؟! من أجل بوتين لا الخلق و لا الدين و لا الوحدة الإسلامية و لا مستقبل الشعوب الإسلامية ! !
و في إطار أسئلة الوجوم و المرار الطافح لرفقائنا الذين صدعوا أدمغتنا ب ( فقه المآلات ) و لبسوا ثياب الحكمة الوقور , نطرح سؤالا ً جديدا ً : هل من فقه المآلات أن يتم تصدير العزلة إلى مصر لتنعزل _ بما يشبه الحبس الانفرادي ! _ عن الجارات و الشقيقات في الخليج ( أيا ً ما كان الرأي السياسي في أدائهم ) ؟! و هل وعى بكوات ( فضيحة جروزني ) حجم الغصص و الكمد في قلوب السعوديين و الخليجيين عموما ً جراء هذه الخطوة المباغتة , و هي غصص و تراكمات كمد غاضب , لخصها الكاتب السعودي ( محمد آل الشيخ ) بقوله : إن مؤتمر ( جروزني ) ( ..أقصى المملكة من مسمى أهل السنة ؟! ..) هل وعى ( حكماء الأوان ) دلالة المرار و الإحباط و مخزون الغضب الكامن في هذه الكلمات ؟! و هل يعلم محتكرو الحكمة في ( جروزني ) أن هذا المؤتمر / المؤامرة سيعزل السلطات في مصر عن كتلة شعبية هائلة يمثلها التيار السلفي داخل مصر نفسها _ فضلا ً عن عزلتها المترسخة أصلا ً بتأثير السياسات الأمنية العنيفة و النكبات الاقتصادية التي عصرت الجميع في الخلاط ؟! أي حكمة في خطوة ( جروزني ) سوى عقلية الإحراق الشامل لكل شيء و نسف كل سفن العودة وفق مفهوم ( نيرون ) ؟!
هل صنعت خطوة ( جروزني ) في مجامع علمية كبيرة أو هيئات استشارية رفيعة أم كانت توريطة ضخمة من ( موسكو ) وجدت معها القاهرة _ بأزهرها العظيم _ ظهرها للحائط ؟! و من نصب الرباعي المصري الذي ذهب إلى ( جروزني ) أو فوضه ليقصي ( التيار السلفي ) _ مع تحفظي على بعض رؤاه _ و ( المحدثين ) من دائرة ( أهل السنة و الجماعة ) ؟! و هل للرباعي المصري د / ( أحمد الطيب ) و د / ( شوقي علام ) و د / ( علي جمعة ) و د / ( أسامة الأزهري ) , الحق في هذا التحديد المنفرد لمفهوم ( أهل السنة و الجماعة ) ؟! و هل يحق لمائتي عالم في العالم السني الحق في تحديد ( الحالة السنية ) حصريا ً ؟! و هل هذا التحديد يرضي ( أبا الحسن الأشعري ) و ( أبا منصور الماتريدي ) في قبرهما ؟! الملف لم يغلق و لنا عودة الأسبوع القادم بإذن الله في التأصيل الشرعي لهذه الرؤية الطائفية التي صنعها نجوم ( جروزني ) ! و لنا عودة مستحقة إلى الرباعي المصري الذي لم يستند في خطوة ( جروزني ) و محتواها إلى أية مرجعيات علمية مصرية ذات ثقل ! إنه الرباعي الذي قام بتلبيس الوطن المصري في الحائط , بلا معنى و لا ثمن ! !
من جريدة المصريون
بتاريخ02 سبتمبر 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق