كان الوعد الرئاسي الناعم مسموعا ً بوضوح للجميع _ قبل ستة أشهر _ ب " التحسن الاقتصادي التدريجي بعد نصف عام " ، بما يجعل الطبقتين : الوسطى و الدنيا ، تتنفسان الصعداء بصورة نسبية ، و لكن جاء الوعد الوردي الذي قطعته الرئاسة أمام الميكروفونات _ ضمن عشرات الوعود المتبخرة _ بعد الأشهر الستة ، نموذجا ً حيا ً للنكث بالوعود و التملص منها ، و تصدير الإحباط المميت ، و التلاعب بمخاوف الفقراء و سحقهم بلا رحمة في غيبة أية قرارات للحماية الاجتماعية حيث استمرأت هذه السلطة التلاعب بلسان النار ، و يضاف إلى العك الاقتصادي المتخبط ( التوقيتات المستفزة ) ، امتدادا ً لسياسة ( حافة الهاوية ) التي تنتهجها السلطة منذ بيان 3 / 7 الشهير فكان إعلان القرارات الاقتصادية الجديدة بزيادة أسعار المنتجات البترولية و الغاز الطبيعي صبيحة يوم التهيؤ و الاستعداد لاحتفال الإعلام _ الإعلام فقط ! _ بذكرى الثلاثين من يونيو ! توقع الناس ( شاشا ً و أقطانا ً ) لمداواة الجروح الدامية التي تفشت في أجسادهم المنهكة ، ففوجئوا بمنشار حديدي يسحق رئتهم بجنون غير مسبوق ! و بقي السؤال القديم / الجديد : علام تراهن هذه السلطة بالضبط ؟! و إلى أي مدى سيستطيع بوكس الشرطة أو المدرعة حماية قرارات المرحلة و هي تعانق محطات الجنون ؟! و هل هناك أجنحة متنفذة داخل السلطة تكره الشعب إلى هذا الحد الموتور المجنون فيكون نقل سلطة الجزيرتين المصريتين للسعودية صبيحة يوم العيد ، و انفجار القرارات الاقتصادية المزلزلة صبيحة ذكرى الثلاثين من يونيو ! و كأن هذه الأجنحة تخرج للمطحونين _ و ما أكثرهم ! _ لسانا ً طويلا ً من البغض الأسود و المكايدة المعتوهة و المنحى العقوبي على ذنب الثورة ؟ !
و هل آن أوان مصارحة الرئاسة بالحقائق المرعبة على الأرض بأن استمرار هذا الخط التصعيدي ، العجيب ستدق معه _ بالتأكيد وفقا ً لمعادلات التاريخ _ " طبول الرحيل " حيث يغيب أي سند شعبي أو اجتماعي في وقت تلتهب فيه حدود مصر ، و يحكم الإثيوبيون مؤامرة المنابع بإغلاق صنبور المياه على المصريين ، و تتهيأ الدولة العبرية في صعودها ( الثاني ) _ بعد صعودها الأول عام 1948_ بإنشاء قناة " بن جوريون " ، و تتسع دائرة التحديات الإقليمية و الدولية بخطر داهم ، بما تفتقر معه أية سلطة للسند الداخلي ، فيما تصر هذه السلطة على إحراق هذا السند بمكايدة و عته يثيران الاستغراب ! ماذا بقي من شق و تكريس لفجوة العداء لم تباشره هذه السلطة ؟! و أي أصدقاء بقوا إلى جوارها بعد أن انفض الجميع حتى أصبح أشد المؤيدين للثلاثين من يونيو _ من كل الأطياف _ يلعنونها جهارا ً على صفحاتهم ؟! أي تماسك اجتماعي ينتظره قصر الاتحادية و السياسات المتبعة منذ أربع سنوات _ خصوصا ً في الشق الاقتصادي _ قد استثارت البغض و الكراهية السوداء من طوب الأرض ؟! و أي نفع أو جدوى من أية سلطة إذا خذلت الشعب في حريته و لقمة خبزه على السواء ، فيما نعلم أن السلطة السياسية التي تحرم الشعب من الحرية ، تغازل _ في الحد الأدنى _ _ مخيلته بالمنجزات الاقتصادية و السلع و الخدمات الميسرة على الأقل ليتحمل استمرار الحياة ( الصين نموذجا ً ! ) و هنالك سلطة سياسية أخرى لا يكون في إمكانها تقديم هذا المنجز الاقتصادي من لقمة الخبز و الوقود و الخدمات ، فتفضل بالذكاء السياسي المفترض فتح غطاء الآنية أو المرجل و تحرير البخار المكتوم ، بمزيد من الانفتاح السياسي و الحريات ليتنفس الناس ( المملكة المغربية نموذجا ً ) ، أما حين نحرم الناس من الحريات ، و نحجب عنهم لقمة الخبز و الخدمات في الوقت نفسه ، فمعنى هذا أننا نحولهم إلى عجماوات أو حيوانات داخل حظائر لا يملكون إلا الرغاء أو النباح ؟! فهل بإمكان عاقل أن يقرر بأن شعبا ً من الشعوب سيتحمل هذه الإهانة الجذرية ؟! و إلى متى ؟!طالب بعض نواب البرلمان ، الذين بدا دورهم منذ البداية شاحبا ً ميتا ً ، بإرجاء الزيادات المفترضة للسلع و الخدمات ، إلى شهر يناير القادم على الأقل ، و خصوصا ً فيما يتصل ببنزين ( 80 ) ، حتى يتحسن موقف الموازنة ، و يتم تقليل التضخم ، و لو نسبيا ً ، و لكن السلطة ركبت ظهر الجنون فجذبت أمعاء الناس خارج أحشائهم ، في رهان وحيد على الخيار الأمني ؟!
و يقرر الخبراء الاقتصاديون بأنه منذ تعويم الجنيه ، فإن الأسعار يتوقع أن تزيد _ دوريا ً _ كل ستة أشهر ! فيما يتوقع الخبراء مع عمليات تحريك الأسعار الأخيرة أن تتم زيادة التضخم ما بين خمسة بالمائة ، أو ستة بالمائة ! و أن تزيد بالتوازي أسعار السلع و الخدمات ما بين 15 بالمائة إلى 20 بالمائة ! و يخرج السيد ( شريف إسماعيل ) رئيس الوزراء ليبشرنا بأن القرارات ( المغولية ) الأخيرة ستوفر للموازنة 35 مليار جنيه سنويا ً ، و هنا أسأله هل هذا هو الضخ الاقتصادي الفلكي الذي سيصنع الفارق من وجهة نظرك ؟! هل هذا هو الذي سيجنبنا حريقا ً اجتماعيا ً منتظرا ً ؟! أو أقول له بلغة أولاد البلد : " مصدق نفسك ؟! " و هل تجرؤ على مواجهة غول رجال الأعمال و لوبيات الفساد المصري _ رأس المال المتأمرك _ القابض على رقبة المصريين ؟ ! لن تجرؤ بدليل أن البنزين المميز الذي يستخدمه العلية و الكبار كانت زيادته _ في القرارات الأخيرة _ خمسة و ثلاثين قرشا ً فقط لأنك لا تجرؤ على مناهضة غضبتهم المنتظرة و هم ، و الحق يقال ، يجيدون لي الذراع ،.. الانبطاح امام رأس المال و صندوق النقد الدولي ، و الصراخ كطرزان امام ملايين البسطاء من المصريين ؟!
ما لم تقله التقارير المرفوعة للرئاسة _ و لن تقوله فيما أرى _ أن الشرفاء من كل الفئات تتلاشى مرتباتهم _ تبخرا ً _ في الأيام العشرة الأولى من الشهر ، و يواجهون ما بقي بالاستدانة ، و أعرف هنا حالات مؤسية لأسماء كبيرة معروفة تلهث وراء ثمن الدواء ، و كسرات الخبز و مصروفات الدراسة و الأمثلة تند عن الحصر !
حين نزل أعداء " أردوغان " السياسيين إلى الشارع ليدافعوا عنه في وجه الانقلاب العسكري الفاشل الأخير _ برغم استمرار كراهيتهم الإيديولوجية له _ كانوا يعون في الذاكرة أنه تسلم " إسطنبول " يوما مترهلة قذرة مدينة بملياري دولار و تركها أنيقة نظيفة بفائض تجاري قدره أربعة مليارات دولار ، في مدى أربع سنوات من عمديته للمدينة _ أضغط هنا على أربع سنوات و المغزى معروف للجميع ! _ و حين قاد أردوغان قاطرة الدولة التركية ، عقب انتخابات 2001 ، أجهز على البطالة و صعد بدخل الفرد بمقدار عشرين في المائة ووصل بخدمات المياه و الكهرباء المخفضة إلى كل بقعة تقريبا ً ، ووزع مليونا و نصف مليون طن من الفحم على الفقراء في المناطق الباردة دون مقابل ، و بنى 280 ألف شقة سكنية للفقراء بأقساط ميسرة ، ووزع الكتب على طلاب المدارس في مختلف المراحل التعليمية مجانا ً ، و قفز بالناتج المحلي من نحو 147 مليار دولار عام 2001 ، إلى نحو 362 مليار دولار عام 2005 ، و كان قد تسلم الدولة التركية و قد انهارت بورصتها تقريبا ً ، و قفز دينها الخارجي إلى مائة مليار دولار ، و كان للرجل جرأة الأسد الهصور و هو ينتزع آلاف الفيلات من قبضة رجال الأعمال الفاسدين و يرد ثمنها إلى الخزانة العامة ، و لهذا لا نستغرب أن يدافع الخصوم السياسيين لأردوغان عن تجربته بأظافرهم بهذه الضراوة ، برغم أي اختلاف معه ، رجلا ً و منهجا ً ! فيما لم نسمع من سلطتنا المبجلة في مصر سوى التصريحات الارتجالية و التأوهات و أغاني ال " دي . جي . " و حماقات المدافعين البلهاء عن سياساتها الاقتصادية في برامج التوك شو ، دون أن يدروا ان التاريخ الحقيقي بات يصنع في عواصم أخرى لا تعرف اللف و الدوران و دغدغة المشاعر بالكلام الأجوف !
ما السر في نجاحات الآخرين و إخفاقنا المدوي ، الذي أغرى بنا الجميع فتلاعبوا بمياهنا و مقدراتنا دون تحسب لفواتير ؟! سأترك الراحل العظيم اللواء " محمد نجيب " ليقدم الإجابة عن هذا السؤال ، ففيما يبدو أن السلطة الحالية لا تؤمن بنصائح ( المدنيين ) : " على أنني أعتبر ما حدث ليلة 23 يوليو 1952 انقلابا ً .. و ظل على هذا النحو حتى قامت في مصر التحولات الاقتصادية و الاجتماعية ، فتحول الانقلاب إلى ثورة . تحول الانقلاب إلى ثورة من ساعة ما وضعنا عيوننا على الشعب قبل الجيش .. و على الصغير قبل الكبير " ( " كنت رئيسا ً لمصر " ص 146 ) .. هل وصلت الرسالة ؟!
من جريدة المصريون
بتاريخ01 يوليه 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق